ناني محمد
يبدأ الإحساس بيومى بمجرد أن تتفتح عينى ، فإما أشعر بأننى مكتئبة ولا أريد أن أتعامل مع الناس هذا اليوم ، فتأخذ ملامحى شكل الجدية و الحزم و الحزن معا ، و أصير كمن فقدت عزيزا ، فأرتدى ملابسى السوداء التى أتشحها كلما شعرت بالضيق ، وإذا حادثنى أحدهم أحاول جاهدة ألا أطيل فى الحديث حتى لا أفتعل معه شجارا عنيفا لأننى بالتأكيد لن أستمر طويلا بدون أن أفعل شيئا غريبا لأننى لست على طبيعتى و لا أريد التحدث لأحد .
أو أشعر بالبهجة و أصحو من نومى وفوق لسانى كلمات عذبة لأحد أغنياتى المفضلة ، و أظل أرددها طوال فترة الصبح ، ثم يأتى ميعاد نزولى إلى العمل فأرتدى ملابسى و أنزل مبتهجة و أنا مازلت أردد نفس الكلمات و لكن بألحان مختلفة ، و أظل مبتهجة طيلة اليوم و أشعر بالحب تجاه كل من حولى حتى من لا أعرفهم .
وفى أحد تلك الأيام المبهجة و أنا فى طريقى إلى مترو الأنفاق سمعت صوتا يخترق أذناى ،لرجل يسير على نفس خطى قدماى ، يتحدث فى هاتفة المحمول لشخص إسمه " على " و يخبرة عن تفاصيل إغتصابه لأبنة أخية الصغيرة التى لا تتعد العشر سنوات ، ويقوم بحكى تفاصيل التفاصيل لهذا الـ " على " و وصل الأمر إلى أن قام بسؤال على أن يزورة فى مكان ما لينال نصيبة من تلك الفتاة المسكينة و ليقوم بتحفيزة كان يعيد على مسامعة و مسامعى معه أنات تلك الطفلة و توسلاتها لهذا " الفحل " أن يبتعد عنها ، وكيف أنها رغم سنواتها العشر إلا إنها تتمتع بقدر هائل من الإشباع الجنسى لم يكن يتخيلة و لن يضنية عن صديق عمره " على " و يؤكد علية أنه لن يندم إذا ما ذاق تلك الصغيرة التى تبكى و فى بكاءها نغما لن ينساه .
وفى تلك الاثناء كنت أستمع إلى ذلك الحديث و أنا أبكى خوفا على تلك الصغيرة و فزعا من هول ما أسمع ولن أخفى الرعب الذى تملكنى من هذا الرجل على نفسى فكلما أسرعت من خطواتى أسرع هو الاخر و كلما ابطأتها أجده هو الاخر يسير كما أفعل ، فقسوة الموقف جعلتنى لأول مرة أدرك كيف أن يكون الإنسان بلا حيلة و لا يعرف كيفية التصرف .
كدت أصرخ مستنجدة ولكنى خشيت إنتقامة ، وعند وصولى لمحطة المترو الأنفاق لم أعرف كيف ركبت القطار ، ولكنى لم أتحدث بكلمة واحدة وقد نسيت الأغنية التى كنت أشدوا بها منذ قليل ، و جلست أشعر بجسدى يحترق .
وصلت إلى مكان عملى ومازلت أبكى وأتصبب عرقا ، وحين جلست بجوار رئيسى فى العمل ، لم يقتنع بأى من المبررات التى حاولت إختلاقها لأبرر ما يراه فى عينى من فزع و خوف .
أخبرته بكل ما حدث و أنا أبكى و أرتعد ، إلا إنه لم تتغير ملامحة إلى ما كنت أتوقع ولكنه نظر إلى كما يفعل دوما حين يريد أن يخبرنى أننى لم أزل طفلة بعد ، و إبتسم و هو يتوجه بنظراته إلى اللاشئ ، ثم قال لى " لقاكى صغنونة قال يلعب بأعصابك ، مفيش حد ممكن يعمل كده " لم أتوقع أن يكون هذا الرد على ما حكيت منذ أقل من دقيقة ، و لكنة أكمل حديثة بنفس النبرة الهادئة الناصحة " إنتى لسه الدنيا ماخربشتكيش علشان كده كل ما بتخرجى فى الطل بتحسى بالهوا لطيف و لما بتحاول تخربش فيكى براحة بتحسى إنها جرحتك " لم أعرف ماذا أقول له غير أننى ذهبت لأقوم بعملى و أنا أسمع صوت هذا الرجل الذى إغتصب طفلة أخيه بلا رحمة ، وظل إحساسى لبقية اليوم كما هو إلى أن عدت وإرتميت فى أحضان أمى و حكيت لها ما حدث ولكنى للمرة الثانية لم أجد ردة الفعل التى انتظرها ، فقط هدوء واضح فى الصوت و إحساس كبير بالشفقة على الطفلة - أنا - التى صدقت هذا الرجل السادى كما وصفته أمى .
لم أصدق أى منهما لا أمى و لا رئيسى فى العمل ، و ظللت لثلاثة أشهر أحلم بهذا الرجل و أتخيل تلك الطفلة كما كان يصفها و أسمع صوته فى كل مكان و كأنه يحاصرنى حتى صرت أخشى السير وحدى فى الطرقات ، إلا أن جاء يوما لا يختلف كثيرا عن اليوم الذى سمعت فيه صوت هذا الرجل و إذا به مرة أخرى يسير بلا هدف و يتحدث كما المرة السابقة و بنفس الكلمات و التفاصيل و الوقفات و الفواصل ، ولم يتغير فى شئ حتى " على " مازال يسمع مأساة الطفلة المدعو لإقتسامها مع عمها .
و لكنى هذه المرة على تأكدت أنها مجرد لعبة كما حاولا أمى ورئيسى إقناعى من ذى قبل ، و إكتشفت بعد معاناه دامت لثلاثة أشهر أنه ليست هناك فتاة مغتصبة و ليس هناك من " على " و أن الفتاة الوحيدة التى أغتصبت برائتها هى أنا .