وصلتني منها رسالة تنضح بالحزن فكتبت إليها (10) رسائل مدحت فيها الحزن لأجلها - وربما مقته أحيانا - لكن الغرض الرئيس من هذه الرسائل تسليتها وتعزيتها بذكر أحزان الأفراد والمدن والشعوب وإن كانت هناك طرفة تليهم أعمد الى التنادر معها , من جانبي وددت أن أشرككم معها القراءة :ــ
المقامة الباريسية (1)
ý حدث بن الحاج قال : لما أطبق علي حظي التعيس , وجفاني الخل والأنيس , تخففت من كل غال ونفيس , ويممت وجهي شطر باريس ................
ý ها نحن- أنا وأنت - نلج باريس عسى أن نجد في تذكر أحزانها سلوى لأحزاننا .
ý سأتخطى الحديث هنا عن أحزان باريس وعشيقته هيلينا الجميلة وكل أساطير الألياذة والأوديسا .
ý هنا كل شيء جميل وأنيق حتى الأحزان تجعل منها باريس مناسبة للفرح .
ý هذه المدينة لها قدرة كبيرة على تطويع الأحزان , وأحد أبنائها يقول عن مياه نهر السين الذي تمثل ضفافه ملتقى للعشاق ( هذه دموع باريس (عجبي ) . !!!!!!!!!!!!
ý أول ما نتذكره من أحزان باريس الحسناء (جان دارك ) تقود جيش بلادها ضد الإنجليز بإيعاز من مريم العذراء - كما تقول - كانت الحرب بينها وبين الانجليز سجال , لكن أخيرا يتم أسرها وتقدم لمحاكمة سريعة بعدها يصدر القاضي الانجليزي حكمه : ( كاذبة يجب أن تعدم.
ý وبعد 400 عام – حبيبتي – تشكل باريس محكمة أخرى يأتي في حكمها ( جان دارك مناضلة وطنية ظلمها الانجليز ) ويرفعها - القاضي - لدرجة قديسة ويصبح تاريخ الاعدام مناسبة يحتفل الفرنسسيون بها .
ý أي مناسبة للفرح والاحتفال تتولد من الحزن ؟.
ý عذرا للسؤال فنحن في باريس .
ý وفي أفريقيا والسنغال تحديدا يحمل أحد أندية المقدمة فيها اسم ( جان دارك ) , ورالي داكار الدولي يبدأ من باريس وينتهي بداكار عاصمة السنغال وهي من الدول المؤثرة في منظمة الفرانكفونية القطب المضاد للكمونويلث البريطاني .
ý على ذكر بريطانيا فنحن على موعد مع ( المقامة الضبابية ).
ý وعلى ذكر السنغال سنتحدث عن الشاعر الكبير وأول رئيس بعد الاستقلال ( ليوبولد سنغور ) والأحزان الأفريقية في رسالة أخرى .
ý نابليون أشهر شخصية فرنسية بعد أن خسر أشهر معاركه ( واترلو ) يهدي حبيبته ( جوزفين ) خاتما نحتت عليه كلمة ( القدر (.
ý فالهزيمة لدى الباريسسيين مناسبة لتبادل الهدايا !!! يا مرحى
ý ماري أنطوانيت تتساءل لماذا يتظاهر الناس ؟ وحينما يجيبونها : بسبب الجوع , تقول : لماذا لا يأكلون الخبز الجاف ؟!!!. وتلك كانت جذوة الثورة الفرنسية وهي كما تعلمين حبيبتي الحد الفاصل بين ما يعرف بالقرون الوسطى والعصر الحديث .
ý باريس حينما يجوع سكانها يرتادون بالانسانية عصرا جديدا , هل توافقين – حبيبتي - ( أن يا مرحى للأحزان ) على الأقل حينما تكون باريسية ؟
ý ) رواية البؤساء ) التي تمثل شامة في خد الأدب الفرنسي والعالمي على السواء وكما تعلمين – حبيبتي – رغم إسمها لا تنتهي ببؤس وحزن .
ý وأجمل ما في هذه الرواية فصل بعنوان ( عش لقُبًّرة وصقر ) حينما يتحدث عن المنزل الذي يضم السجين الهارب ( جان فالجان ) و ( كوزييت ) , ولو أفلح المترجم لقال ( عش لعصفور ونسر ) , كيف إلتأم هذا التضاد ؟. ثم كيف يكون مشوقا وجميلا ؟. إنها نكهة باريس وروحها .
ý وفي ( أحدب نوتردام ) يجعل فيكتور هيجو من ( كازيمودو) الذي كل شيء فيه يدعوه للحزن والبؤس , يجعل منه هيجو عاشقا يحترق وجدا وصبابة !!!!.
ý هنا سأضحك .
ý وعلى ذكر هذه الرواية ألم تعجب أنت أيها القاري بـ ( أزميرالدا ) ؟. ثم هي بحسنها ورقصها تأخذ بالألباب ؟ إذا سألتني كيف نالت إعجابنا وأخذت بألبابنا وهي هي كما نعرف نحن جميعا ؟ سأقول لك : صه هذه باريس .
ý فولتير أحد منظري الثورة الفرنسية وهو من أساطين الأدب العالمي لا يستسلم لما يسود يومه الحاضر فيقول : ( على كل حال ستغادر الشمس لسماء أخرى , ليأتي غدا يوم جديد وجميل ) فاليوم عنده ليس مؤشر وقت يتحرك بل سماء جديدة لم تأتي من قبل مع ذهاب السماء القديمة بعد أن تطوي معها كل أحزانها .
ý وكأنه يغني مع خليل إسماعيل :
بكرة يا قلبي الحزين تلقى الســــــعادة
تبقى هاني وابتساماتك معـــــــــــــادة
والسرور يملأ حياتي ويبقـــــــــــى زادة
وعيني تشبع نوم بعد ما طال ســهادة
وأنسى غلبي والرياحيـــــــن تملأ دربي
وأمسح الدمع البسيل يسقي الوسادة .
ý ديجول الزعيم الفرنسي الكبير وقوات هتلر تحكم قبضتها علي باريس يقول : ( باريس ستنتصر لأنها ليست وحدها ) . أي تفاؤل هذا وباريس محتلة ؟ . وأخيرا – كما قال ديجول - باريس تنتصر !!!!!!!!!!!.
ý وباريس تلملم حزن العالم من تعسائه الذين ينشدون عندها السلوى – كما أنا وأنت الآن – ثم بهؤلاء بعد أن تشبعهم بالنكهة الباريسية , تزرع الفرح في العالم , من منا لم يستمتع بأداء فرنسا وهي تحرز كأس العالم عام 1998م , وهذا المنتخب يكاد يخلو من الفرنسيين , فقد قدم هؤلاء أو أباؤهم لباريس هربا من الأحزان ببلدانهم بسبب السياسة أو ظروف المعيشة .
ý وفي العام الماضي 2006م وفرنسا تخسر نهائي الكأس أمام إيطاليا يقول أحد لاعبيها : ( إيطاليا تستحق الفوز , أما نحن فنستحق شيء أفضل من الهزيمة ) فالباريسي يحترمك تماما ولا يستكثر عليك شيئا ثم لا ينسى أنه طموح , وفي باريس يستقبل الفريق ( المهزوم ) في موكب عظيم !!!!!!!!!!!!!.
ý فباريس يا حبيبتي رحم ضخم تلتقي فيه أمشاج العالم ليتولد من هذا الخليط شيء إسمه الفرح .
ý وباريس جميلة وأنيقة ليلها كنهارها تضئ مصابيحها حتى لعشرات السنين ,دون أن تنطفي ماذا لو ألقي بشاعرنا الذي يقول :
الدرب انشحط واللوس جبال اتناطن
والبندر فوانيسو البيوقدن مـــــــا تن
بنوت هضاليم الخلا البنجــــــــــاطن
اسرع قود امسيت والمواعيد فاتن .
ماذا سيقول لو ألقي به قريبا من باريس التي لا تموت فوانيسها ؟. لكنا نطمئنه على مواعيده هناك ( إن كانت للعشق ) فهي لا تفوت , فهو - أي الشاعر - بعد أن تقبسه باريس من روحها , سيأتي قبل ساعتين من مواعيده , وهي - حبيبته - رغم ذلك سيجدها في إنتظاره مذ كم ؟. لا أدري !!!!. أدعوه - مع اني أحسب أنه لا يجيد القراءة - وأدعوك - حبيبتي - وأنت أيها القارئ - لقرأءة (عابر سرير ).
ý فأحلام مستغانمي تقول في روايتها المذكورة آنفا ( عابر سرير ) ما نصه في أول إففتاحية الرواية ( كنا مساء اللهفة الأولى, عاشقين في ضيافة المطر, رتبت لهما المصادفة موعدا خارج المدن العربية للخوف , نسينا لليلة أن نكون على حذر, ظنا منا أن باريس تمتهن حراسة العشاق ( .
ý ثم يصبح ظنها هذا يقينا .
قبل شهور قلائل يتظاهر نصف باريس نهارا , أما النصف الآخر – المسائي – فلا يتأثر بذلك إذ تمتلي دور السينما وشارع الشانزلزيه ( أجمل شوارع الدنيا ) بالعشاق !!!!. , أحلام مستغانمي - عن نفسها وعن باريس - تقول ( أنا مسكونة بالفوضى ولكنني لا أسكنها بالضرورة , إنها طريقتي الوحيدة في وضع شيء من الترتيب بداخلي ).
ý أية قدرة على تجاوز العواصف و الأزمات لكأن باريس هي قماري محمد عبد الحي وسيد خليفة حينما يقولان :
أبني عشك يا قمــــــــــــــاري قشة قشة
وعلمينا كيف علـــــــــــى الحب دارنا ينشأ
رغم العواصف برضو واقف ما فيهو رعشـة .
ý وفي باريس من تلتقيه نهارا لا تلتقيه ليلا إذ دوما يكون نصف باريس صاحيا ! فلكل دوامه حتى اللصوص , فلصوص النهار ليسو هم لصوص الليل , وإذا عمل لص الليل نهارا لانتهى به النهار في السجن وكذا إذا بادلنا الأدوار سيصبح لص النهار سجينا و لشكى أبناؤه الجوع والمسغبة وبالفرنسية سينشد قول الحطيئة :
من لأفراخ بذي مرخ زغب
الحواصل لا ماء ولاشـــجر.
ý يحكى أن لصين باريسيين – حتما هما من الاناقة بمكان – ولجا دارا بطريقة باريسية أنيقة ثم فتحا خزنة النقود بذات الطريقة , ولم يتسللا لواذا بل وضعا الأموال بجانبهما على الطاولة ومن خزانة الملابس يأتيان بمعطف ويضعانه على كرسي ثالث , وظلا يلعبان الورق , وبعد ان تناولوا ثلاث من قناني الشمبانيا المثلجة , حضر صاحب المنزل - وأحسبه حديث عهد بباريس – لكنه قام بما عليه : إتصل بالشرطة - تذكري أنها أنيقة - لتأتي سريعا , واللصان رابطا الجأش يلعبان !! ولما سئلا أجابا : أنهم تراهنوا لكنه حينما لم يكسب أستدعى الشرطة ! وهذه الأموال الموجودة وورق اللعب وقناني الشمبانيا والكرسي الفاضي ؟؟؟؟ كل هذه الأشياء تشهد , لم يجد الشرطي بدا من أن يوبخ صاحب المنزل , وحينما يهم بالإنصراف يقول اللصان : رجاءا أخرجنا معك , وحتما معهما الغنيمة !!!!
ý وبلدياتنا – كسودانيين – أخذ وهو في غيبوبة - لباريس , أفاق بعد شهر ووجد نفسه في مستشفى باريسي وملائكة الرحمة يحطن به من كل جانب يقول : ( وينو نهر الكوثر ؟). إذ حسب أن القيامة قامت وأدخل الجنة وهؤلاء هن الحور العين !!!!!!!.
ý حقا باريس جنة ألا ترين ؟.
ý ( دان براون ) في رائعته ( شيفرة دافنشي ( يحدثنا عن ذكاء (صوفي نوفو ) الحسناء الباريسية وأناقتها , في معرض حديثه عن مقتل عائلتها في حادث مروري , هذا بعد أن حدثنا عن مقتل جدها في الليلة الماضية , فلكأن الحديث عن جمالها وأناقتها لا يحتمل التأجيل رغم الموقف المحزن !!!!!!!!!!.
ý ) متحف اللوفر بباريس ) أشهر متاحف الدنيا , أحدثك عن إحدى لوحاته الحزينة حيث يظهر فيها جنود رومان - حينما غزو اليونان - يمسكون بأثينيات , ( ولكل من روما وأثينا رسالة منفصلة) والحسناء الباريسية تقف أمام هذه اللوحة وتقول : ( ما أسعدهن وهن بين أيدي الرومان الأقوياء ) فباريس ترى في الأسر مدعاة للسعادة !!!!!!!!!!.
ý هذه المرة حتى وإن قلت لا – حبيبتي- أنا أقول ( للأحزان – يا مرحى ) حينما تكون باريسية ).
ý ) إيف سان لوران ) ( وكريستيان ديور ) أشهر بيوتات الأزياء في العالم هنا يتأنق كل شئ حتى الحزن . وفيهن يحدد ماذا يرتدي آدم هذا الشتاء ؟ , وماذا ترتدي حواء في هذا الصيف؟. ومن هناك يحدد لك - عزيزي القاري - ما إذا كنت ( راقي ومهندم ) أم مشيكح ( دي إنت ذاتك ما فاهماها ) خلاص حأشرحها تعني ) غير مهندم ) , والعطور الباريسية شهرتها تغنينا عن الحديث عنها .
ý وللمحافظة على هذه الروح الباريسية يتم تناسي الأيدلوجيات الفكرية والمعتقدات السياسية وحتى الدينية ( فباريس لا تدين الا بدين الفرح ) يقول د . عبد الوهاب الأفندي ( جريدة الصحافة 20 أكتوبر2007م [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة] فرنسا البلد الوحيد الذي يقف يمينه على يسار كثير من الحركات اليسارية الأوربية في تشدده , فديجول أوجد لفرنسا موقعا خاصا بها , هو وضع عدم الإنحياز المثالي , لأنه عدم إنحياز قام على القوة ( .
ý و( جاك لانغ ( اليساري ووزير الثقافة في عهد ( فرانسوا ميتران ) قيل عنه : ( لا يقل عمن سبقوه من أقطاب اليمين راديكالية وشراسة في الدفاع عن الفضاء الثقافي الفرنسي .!!!!.
ý برج (إيفل) المائل هذا يمثل حكاية باريسية أخرى, أليس الميل عيبا ونقصا وأفضل منه أن يكون قائما ؟. , ولأن باريس تخلق من عللها وقصورها وأزماتها فرحا , يعجب الناس في هذا البرج ميله هذا !!!!!!! .
ý قبل الوداع بدأت هذه الرسالة على قرار المقامات ففي (مقامات الحريري) دوما يكتشف في خاتمتها ( الحارث بن همام ) أن من أعجب به وسحره هو صديقه القديم ( أبو زيد السروجي ) متخفيا , أما في مقامات (بديع الزمان الهمزاني ) فـ ( عيسى بن هشام ) يجد في ذلك الغريب ( أبو الفتح الأسكندراني ) , فهل ( زيدي أو اسكندريتي )أنا (أنت ) هي الدلوعة ( باريس هيلتون ) التي تغطي صورها أغلفة المجلات هذه الأيام وتسحر الدنيا بأسرها , فأنت أحيانا تتجولين لوحدك بين متنزهات باريس وحدائقها , عذرا حبيبتي لهذه المداعبة .
ý وعلى ذكر الأسكندرية فلها رسالة خاصة (أسكندرية كمان وكمان(
ý أخيرا, (قصر الأليزيه ) مقر الرئاسة الفرنسية تظهر سيدته الأولى برفقة زوجها نيكولاس ساركوزي متأبطا زراعها وهي تشع سعادة , ثم يكشفا أنهما شبه منفصلان ومنذ أشهر , أية قدرة لدى باريس على مداراة الأحزان وإخفائها .
ý أعدي لنا حقائب السفر سنغادر في طائرة السادسة صباحا لـ ( لندن (.
ReplyReply AllMove...Inbox[color=red][/color]