عمل الزّوجة
حدّدت الشريعة الإسلاميّة الأحكام الخاصّة بعمل الزّوجة بالآتي :
1 ـ من حقّ الزّوجة أن تشترط على الزّوج أن لا يمنعها من العمل في عقد الزّواج .
2 ـ أن يوافق الزّوج على عمل زوجته بالتفاهم بينهما؛ إذا أرادت العمل من غير شرط مسبق. وفي حال عدم موافقة الزّوج على عمل زوجته فلا يعني ذلك أنّ الشريعة الإسلامية هي التي منعت المرأة من العمل، بل إنّ ذلك يعود للعلاقة بين الزّوج وزوجته .
3 ـ إذا تزوّجت المرأة، وكانت قد أجّرت نفسها للخدمة مدّة معيّنة مع آخرين، فإنّ عقد العمل لا يبطل، وإن كان العمل منافياً لحقّ الزّوج .
4 ـ إذا تعاقدت الزّوجة على إجارة نفسها للخدمة من غير علم الزّوج، توقّفت صحّة الاجازة على موافقة الزّوج فيما ينافي حقوق الزّوج، وينفذ العقد فيما لا ينافي حقّه .
5 ـ يسري حكم إجارة المرأة نفسها للخدمة على كل عقد للعمل تبرمه المرأة .
ومن خلال دراسة أحكام الشريعة لا نجد نصّاً يحرِّم العمل على المرأة بالعنوان الاوّلي.
وانّما يستدلّ من يحرِّم العمل على المرأة خارج البيت،ويعترض البعض بأنّ عمل المرأة ضمن مؤسّسات العمل المختلطة يقود الى الفساد والوقوع في المحرّمات،أي أنّ الحرمة جاءت بسبب ما يؤدِّي إليه الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء خلال ممارسة الأعمال من الوقوع في الحرام.وبذا تكون تلك الحرمة حرمة بلحاظ العنوان الثانوي لا بلحاظ العنوان الاوّلي،وبعبارة أخرى هي من باب تحريم مقدّمة الحرام(سدّ الذرائع)،أو تحريم المباح الذي يقود الى الوقوع في المحرّم.
وينبغي أن نشير هنا إلى أنّ العمل الذي يقود إلى الوقوع في الحرام هو محرّم على كلا الجنسين، الرّجل والمرأة. وعندئذ يستوجب الموقف منع الاختلاط، وتوظيف العنصر الذي يحتاجه العمل بغضّ النظر عن كونه رجلاً أو امرأة .
لقد اتّضح لنا من خلال تفسير الآية الكريمة : (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخريّاً ) أنّ الاختلاف في الطاقة والمهارة والاستعداد للعمل تختلف من فرد لأخر، بغضّ النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وأنّ تبادل المنافع وإشباع الحاجات الماديّة والخدميّة يتم بين أفراد المجتمع جميعاً؛ ويقدِّم كل فرد، بغضّ النظر عن جنسه (ذكر أو اُنثى) جهده، وطاقته الممكنة؛ لاشباع حاجة المجتمع؛ ليشبع هو أيضاً حاجته من خلال عملية التبادل المادّي والخدمي في المجتمع، فالفلاّح يقدِّم الإنتاج الزراعي، والمهندس والعامل الفنِّي يقومان بصنع الآلة، والطبيب يقدِّم العلاج، والمعلِّم يؤدِّي وظيفته بتعليم الأجيال، والتاجر يوفِّر السلع في الأسواق، والجندي يدافع عن الأوطان، والحارس يكافح اللّصوص ... الخ .
إنّ دراسة وتحليل الأحكام والمفاهيم الإسلامية جميعها تؤكِّد لنا أنّ الإسلام لم يحرِّم نوعاً من العمل، أو العلم على المرأة، بعد أن أباحه للرّجل، فللمرأة أن تمارس أي عمل من الأعمال، كالزراعة والصناعة والطب والهندسة والإدارة والوظائف السياسية والخياطة وقيادة الطائرة والسيارة والتعليم والتربية ... الخ .
فليس في الإسلام عمل انتاجي، أو خدمي محلّل للرّجل، ومحرّم على المرأة . فالكل في أحكام الشريعة سواء في ذلك، انّما الفرق بين الرّجل والمرأة في بعض الواجبات التي كلّف بها الرّجل، أو المرأة، أو في بعض الصلاحيّات التي بُنيت على أسس علمية روعي فيها التكوين النفسي والعضوي لكل منهما، وضرورة تنظيم الحياة الاجتماعية وإدارتها .
فانّ الأصل في الشريعة الإسلامية هو إباحة العمل، بل ايجابه في بعض الإحيان، إلاّ ما حرّم في الشريعة أو ما أدّى الى الوقوع في المحرّم.
وإذا كانت هناك صيحات تحريم العمل من قِبَل البعض على المرأة، فانّ ذلك يحتاج الى دليل، وليس هناك من دليل شرعي يدل على التحريم .
والتأمّل العلمي في تحليل العلماء للواجبات، وتقسيمها الى واجب عيني وكفائي، يتّضح لنا من خلال دراسة الواجب الكفائي أنّ النظام الإسلامي أوجب على الأفراد من غير أن يحدِّد جنس الفرد، رجلاً كان أو امرأة، أوجب عليهم توفير حاجة المجتمع بشتّى صنوفها بشكل جماعي؛ كالطب والهندسة والتعليم والزراعة والتجارة والنقل والأمن وغيرها من الأعمال التي يحتاجها المجتمع، بل ويتحوّل الواجب الكفائي الى واجب عيني على الفرد، أو الأفراد الذين تنحصر فيهم القدرة على أداء ذلك الواجب، وبغضّ النظر عن جنس الرّجل أو المرأة .
من ذلك نفهم أنّ تقسيم العمل الوظيفي في المجتمع،وأداءه يقوم على أساسين:شخصيّ وجماعيّ،وفي كلتا الحالتين لم يفرِّق الإسلام بين الرّجل والمرأة،بل في مجال بعض الواجبات الكفائية، كواجب الطب والتعليم النسويّين مثلاً يتوجّه الوجوب فيهما الى الجنس النسويّ .